يكتب ميتشل بلتنيك في تروث أوت أن الإدارة الأميركية تبدو بصدد إعادة تقييم مقاربتها لتنفيذ خطة الرئيس دونالد ترامب بشأن قطاع غزة، بعدما واجهت الخطة رفضًا فلسطينيًا موحدًا وضغوطًا من حلفاء واشنطن الإقليميين، ما دفعها إلى التفكير في بدائل أقل صدامية من فكرة الاحتلال الدولي المباشر.
يشير موقع تروث أوت إلى أن واشنطن تدرس تقديم نموذج يقوم على حكومة فلسطينية تكنوقراطية وقوة شرطة فلسطينية، تسبق أي حديث عن “قوة استقرار دولية”، بعدما أخفقت الولايات المتحدة في إقناع أي دولة بالانضمام إلى هذه القوة، التي كان يُراد لها أن تتولى نزع سلاح الفصائل وفرض السيطرة الأمنية على القطاع.
رهان فلسطيني يعيد رسم المعادلة
يرى بلتنيك أن هذا التحول، رغم بعده الكبير عن الاعتراف الحقيقي بحقوق الفلسطينيين أو ترجمتها عمليًا، يشكّل تبريرًا سياسيًا واستراتيجيًا للخيارات التي اتخذتها الفصائل الفلسطينية، بما فيها فصائل خارج حماس، عقب تراجع حدّة الإبادة الإسرائيلية في أكتوبر. فقد تعاملت هذه الفصائل مع المرحلة الأولى من خطة ترامب ببراجماتية، فوافقت على وقف العمليات الهجومية، وأطلقت سراح الأسرى الأحياء وجثامين القتلى، من دون أن تمنح موافقة نهائية على بقية الخطة.
اعتمد هذا الموقف على مقامرة محسوبة: الإبقاء على الغموض السياسي، وفتح باب التفاوض، مقابل تجنب الاستسلام الكامل الذي سعت إليه إسرائيل كشرط لوقف العدوان. ورغم أن المكاسب بدت محدودة في البداية، مع استمرار القتل وشح المساعدات وبقاء غزة في حالة بؤس، فإن هذا الرهان حال دون عودة الإبادة إلى ذروتها السابقة، وفرض واقعًا تفاوضيًا جديدًا على واشنطن.
فشل فكرة القوة الدولية
توضح التقارير أن مصر وتركيا وقطر أوصلت رسالة واضحة للإدارة الأميركية: نزع سلاح الفلسطينيين بالقوة واحتلال غزة عبر قوة دولية لا تضم فلسطينيين يمثل خيارًا غير قابل للتطبيق. حاولت واشنطن البحث عن صيغة ترضي هذه الدول وفي الوقت ذاته تبقى مقبولة إسرائيليًا، بينما التزمت تل أبيب صمتًا لافتًا، على الأرجح انتظارًا لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن.
تجلّى فشل فكرة “قوة الاستقرار الدولية” بوضوح عندما انسحبت أذربيجان من المشروع، رغم أنها كانت من أوائل الدول التي أبدت استعدادًا للمشاركة. كشف هذا الانسحاب أن المطلوب من هذه القوة ليس حفظ السلام، بل خوض مواجهة مباشرة مع الفلسطينيين نيابة عن إسرائيل، وهو ما رفضته دول عدة رأت في المهمة احتلالًا مقنّعًا بلا تفويض واضح أو هدف قابل للتحقيق.
أدركت واشنطن، تحت هذا الضغط، أن نزع سلاح حماس لا يمكن أن يجري بالإكراه. فإسرائيل نفسها عجزت عن تحقيق هذا الهدف عبر عامين من العنف، ولا ترغب الإدارة الأميركية في العودة إلى تلك الكلفة السياسية والإنسانية.
نحو مسار تفاوضي مختلف
يفيد بلتنيك بأن هذا الإدراك فتح الباب أمام مقاربة دبلوماسية أكثر واقعية، تقوم على التفاوض مع حماس بدل محاولة سحقها. وعلى عكس السرديات الشائعة، لا ترفض الحركة أي نقاش حول السلاح، لكنها ترفض شروط الاستسلام الكامل. وتشير تقارير إلى استعدادها لقبول ترتيبات تقضي بتجميد جزء كبير من ترسانتها أو تخزينها بإشراف فلسطيني، ضمن اتفاق أوسع يضمن عدم تجدد الحرب.
يدعم هذا التوجه دور إقليمي فاعل لقطر ومصر وتركيا، التي تضغط من أجل نشر قوة شرطة فلسطينية تابعة للسلطة الفلسطينية في غزة، لسد الفراغ الأمني ومنع الفوضى. ورغم السمعة الإشكالية لشرطة السلطة، إلا أن التجربة السابقة عام 2006 تظهر أن البنية الأمنية الفلسطينية قابلة لإعادة التشكيل وفق الواقع السياسي، وأن عناصر الشرطة في غزة والضفة يعملون في جوهرهم كموظفين مدنيين أكثر من كونهم أدوات فصائلية.
تدفع هذه الدول باتجاه تسريع الاتفاق قبل زيارة نتنياهو إلى واشنطن، خشية أن يستغل الزيارة لدفع ترامب إلى تشديد موقفه تجاه غزة، أو إعادة فتح باب العدوان الواسع. وترى أن بدء نشر قوة فلسطينية محلية يقيّد هامش المناورة الإسرائيلي، ويمنح المسار السياسي فرصة للاستمرار.
في المقابل، يهاجم صقور واشنطن هذا التحول، إذ صرّح السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام بأن حماس لا تنزع سلاحها بل تعيد تسليح نفسها، ودعا إلى منحها مهلة قصيرة قبل “إطلاق يد إسرائيل”. غير أن تأثير غراهام داخل البيت الأبيض تراجع، رغم قربه الشديد من نتنياهو.
يخلص المقال إلى أن الطريق لا يزال محفوفًا بالمخاطر، وأن ما يجري لا يرقى بعد إلى حكم فلسطيني ذاتي حقيقي في غزة، لكنه يمثل تقدمًا ملموسًا مقارنة بالخطة الاستعمارية الأولى التي طرحتها إدارة ترامب. ويؤكد أن هذا التحول ما كان ليحدث لولا وحدة الموقف الفلسطيني، وهي الوحدة التي سعت إسرائيل، لعقود، إلى إفشالها لأنها تشكل التهديد الأعمق لمشاريعها.
https://truthout.org/articles/trump-admin-appears-to-be-backing-off-plan-for-international-occupation-of-gaza/

